حالما تفكر باقتناء حيوان أليف، قد يباغتك صوت في رأسك بسؤال واحد: الآن؟ فكما نعرف، لا يحتاج أحدنا كثيراً من الجهد ليسترجع كل الأحداث والمنغصات التي تبعده عن الحالة المثلى أو الشكل الذي تمنّاه، وبالتالي عن أي فعل يعتبره أكثر "رفاهية" مما تسمح به الظروف، كتربية حيوان أليف.
ولنعد إلى السؤال المطروح: هل الآن هو الوقت المناسب لتربية صديقٍ مخلصٍ ينشر الحب والإلفة في كل مكان تقصدانه سويةً؟ نحن هنا لنقول إن الإجابة هي نعم. ففي مدينة مثل الدوحة، حيث يجمع كثيرون أن الوقت يمضي بسرعة لم يعهدوها سابقاً، لن يكون اختيارك صداقة جديدة مسألة رفاهية أو تكلّفا يمكن تأجيله، بل طريقة لتعيش مجمل لحظاتك التي كانت تمضي في غفلة عنك.
إن الحب غير المشروط الذي تبادلنا إياه الحيوانات الأليفة كفيل بتحويل شقة صغيرة لا تربطنا بها أي صلة حميمية إلى مساحة آمنة نتطلع إلى العودة إليها بعد نهار عملٍ مضنٍ، واستبدال الوحدة التي قد تحاصرنا بشعورٍ أكثر دفئاً، فيه من الصداقة والدفء ما يعيننا على تحمل ضغوطات العمل والحياة ويعطينا الإحساس، كل يوم، بقدرتنا على أن نحب ونهتم ونعطي.
شاطئ يطل على غرفة المعيشة
يروي لي أحد الأصدقاء تجربته وكيف تغيّرت حياته بعدها. فبعد سنواتٍ قضاها محاولاً اللحاق برتم الحياة السريع الذي يفرضه عمله، حاول الصديق البحث عن وسيلة ليوقف فيها سطوة هذا الإيقاع عوضاً عن مجاراته، ووجة في حوضٍ للأسماك ما كان يبحث عنه.
وبالنسبة له، كان الزراق الذي يتوهج محيطاً بالحوض بديلاً أنيساً لضوء التلفاز الذي كان ينير أمسياته سابقاً.
إلا أن الرابط لم يتوقف عند هذه النقطة، فبعد فترة التعارف الأولى وجد الصديق ما يربط هذين العالمين ببعضهما ويقول: "تكتشف مع الزمن شبكة علاقاتٍ لم تكن تتصور وجودها، ثم تعطي كل سمكة اسماً وقصة وتبدأ بفهم طباعها المختلفة. ثم تبدأ هي أيضاً بالاعتياد على وجودك وشكل تفاعلك معها".
ومع أن الأسماك قد لا تكون الخيار الأول الذي يتبادر إلى أذهاننا عندما نفكر بالحيوانات الأليفة، إلا أنها تحقق لأحمد ما كان يبحث عنه، "من اللطيف أن تشعر بمنزلك وهو يفيض بالحياة، وبأنك تستطيع قضاء وقتٍ هادئ تتأمل فيه هذا المشهد وتتعلم منه."
ماذا يقول العلم
ترفض ريبي، التي تعيش في الدوحة منذ سنوات، أن تصف علاقتها بقططها على أنها علاقة بين حيوانات أليفة ومقتنٍ، لأنها تشعر تجاههم بما يفوق "الاقتناء". ورغم التكاليف المرتفعة التي تتحملها، تقول لي ريبي إننا لا نتردد عادة في بذل ما نملك عندما يتعلق الأمر بمن نحب، ولا تجد في هذه الحالة استثناءً أو اختلافاً، وعندما تنظر إلى السعادة والصحبة التي دخلت إلى حياتها فإنها تتأكد من اتخاذها القرار الصحيح.
ورغم أن الكلام السابق قد يبدو عاطفياً أو شديد الذاتية، إلا أنه في الواقع يستند إلى بعض الحقائق العلمية. وتربط عدة دراسات بين وجود الحيوانات الأليفة والتحسن في صحتنا النفسية والجسدية، وتقول إن إفراز هرمونات مثل الدوبامين والسيروتونين والأوكسيتوسين، وهي كلها هرمونات تساعدنا على الإحساس بالسعادة والرضا. كما تشير دراسات أخرى إلى الصلة بين تربية الحيوانات الأليفة والتحكم بضغط الدم وتحسين اللياقة، فضلاً عن دورها في مساعدتنا على تنظيم أوقاتنا وكونها إضافة جيدة لأسرنا.
كلمة أخيرة عن المسؤولية
نعتبر المسؤولية واحدة من أهم ركائز رسالة موقعنا، وندعو دائماً إلى نشر ثقافة تبنٍ صحية ورشيدة. فرغم كل ما قلناه سابقاً، لا يجب أن نفكر بمسألة تبني صديقٍ نحبه دون مراعاة عدة اعتباراتٍ.
فقبل كل شيء، يجب أن نكون متأكدين تماماً من جاهزيتنا واستعدادنا، وبأننا سنستطيع توفير الظروف الأفضل للحيوانات كي تعيش وتتصرف بأريحية. ومن المؤسف أن نرى حيواناً أليفاً وقد تخلى أصحابه عنه لأنهم لم يعرفوا عن الموضوع كما يجب أو ظنوا أنه سيكون موجوداً لتسليتهم وحسب، والحقيقة أن حوادثاً كهذه غالباً ما تجري وتترك الحيوانات عرضة للمجهول بعد اعتقادهم أنهم وجدوا منزلاً آمناً.
ثمة اعتبار آخر يجب أن نفكر به دائماً وهو المصدر الذي تأتي منه الحيوانات. ليست الحيوانات الأليفة سلعاً نفاضل بجودتها ولا يجب أن تعامل ذلك، لذا نقف في موقعنا ضد هذه الممارسات لأنها بعيدة عن الإنسانية أو الصواب، وننصحكم دائماً أن تبدأوا رحلة بحثكم في الملجأ الأقرب إليكم وتأكدوا أنكم ستعثرون هناك على تلك الصداقة التي ستشعرون كل يوم كيف اختلفت الحياة بعدها وصارت أكثر خفة وحيوية.
Comments